النقد نشأ مبكرا، وعاصر الأدب منذ طفولته، ولعل أول ناقد وجد عقب أول شاعر، سواء أكان نقده سلبيا يقف عند تذوق الشعر فحسب، أم إيجابيا يجاوز ذلك إلى الإفصاح عن هذا الانفعال شارحا، معللا، وهكذا بدأ النقد وساير الأدب في كل عصوره التاريخية.
* ما هو النقد الأدبي؟
في المحيط، ولسان العرب وغيرهما: النقد والتنقاد: تمييز الدراهم، وإخراج الزيف منها.
وهناك معنى لغوي آخر يفسر حديث أبي الدرداء أنه قال: (إن نقدت الناس نقدوك، وإن تركتهم تركوك)، معناه: إن عبتهم، واغتبتهم قابلوك بمثله. فالنقد هنا معناه: العيب والثلم أو التجريح، وضده الإطراء والتقريظ من قرظ الجلد: إذا دبغه بالقرظ وأديم مقروظ إذا دبغ أو طلي به، وذلك إنما يكون للتحسين والتجميل فالنقد للذم والتقريظ للمدح والثناء.
وشاع هذا المعنى في عصرنا هذا، وصارت كلمة النقد إذا أطلقت فهم منها الثلب، ونشر العيوب والمآخذ.
فهذا الاستعمال له أصل لغوي - كما رأيت- وإن لم يكن هو المقصود المقرر بين النقاد المنصفين
والنقد الأدبي في الاصطلاح
هو تقدير النص الأدبي تقديرا صحيحا، وبيان قيمته، ودرجته الأدبية.
* وهنا بعض النقاط الملحوظة عند هذا التعريف:
- يبدأ النقد وظيفته بعد الفراغ من إنشاء الأدب، أما القدرة على إنشاء الأدب، وتذوقه فليس في مكنة النقد خلقهما من العدم، وإن كان يزيدها تهذيبا ومضاء. على أن هذه الملكات الثلاث –إنشاء الأدب وتذوقه ونقده- قد توجد معا متجاورة، متعاونة في نفس الأديب الموهوب.
2- الغرض الأول من النقد الأدبي إنما هو تقدير الأثر الأدبي؛ ببيان قيمته في ذاته قياسا على القواعد، أو الخواص العامة التي يمتاز به الأدب بمعناه العام أو الخاص وهو النوع التوضيحي الذي يعين على الفهم والذوق، وأما القول في درجته بالنسبة لغيره فهو في المنزلة الثانية.
3- لا بد للناقد أن يكون ثاقب النظر، سريع الخاطر، مهذب الذوق، قادرا على المشاركة العاطفية (التعاطف) مع الأديب، والبراءة من المؤثرات التي تفسد عليه أحكامه، وذلك كله فوق الثقافة الأدبية العلمية، والتمرس بالأدب، ومعرفة أطواره التاريخية، وصلاته بالفنون الأخرى، وحسن فهمه، وتعمقه إلى أبعد غاية؛ ليتيسر له الإنصاف، والحكم الصحيح.
4- إذا كان موضوع الأدب هو: الطبيعة والإنسان، فإن موضوع النقد الأدبي هو: الأدب نفسه أي: الكلام المنثور، أو المنظوم الذي يصور العقل والشعور يقصد إليه النقد شارحا، محللا، معللا، حاكما، يعين بذلك القراء على الفهم، والتقدير، ويشير إلى أمثل الطرق في التفكير، والتصوير، والتعبير.
(المصدر: أصول النقد الأدبي، تأليف أحمد الشايب)